الحسن العوفي، في كتاب آل العوفي

في كتاب "آل العوفي"

 

الذائعو الصيت من آل العوفي المعاصرين

 

في المجال القضائي

 

هو الحسن بن سي عبدالسلام العوفي، من مواليد تغزوت، ازداد سنة 1948. هو إنسان برغماتي، يتعامل مع الواقع بذكاء، يعرف ما ذا يريد ويعرف كيف يصل إلى ما يريد؛ فحينما أحرز على شهادة الباكالوريا، لم يتردد في اختيار الكلية التي تصله إلى هدفه، فقصد على التو كلية الحقوق بالرباط، لأن هدفه ، بل أقول إن حلمه كان آنذاك هو أن يعمل في القضاء، لأن اباه وعمه وجده وأبا جده كلهم كانوا قضاة، وأن كثيرا من آل العوفي قد امتهنوا، منذ القديم، مهنة القضاء، أو وظيفة ما في الحقل القضائي، حتى أصبحت هذه المهنة لدى آل العوفي كإرث يجب أن ينتقل من جيل إلى آخر.

فمنذ اللحظة الأولى التي انخرط فيها في سلك القضاء، كنائب وكيل الملك بمدينة الشاون، جعل هدفه الأول هو النجاح والترقي، فتفرغ لعمله، ووهبه كل وقته، وزاوج بين العمل الميداني داخل قاعات المحاكم، وبين التكوين المستمر لتعميق معارفه القانونية وإثرائها بتجارب الدول الأخرى، فنال شهادات تضاف إلى الشهادات التي حصل عليها داخل الوطن، مما جعله يصنف ضمن أصحاب الكفاءات العالية في المجال القضائي، وأهله تكوينه هذا لكي يساهم، في الحقل القضائي، بأعماله الفكرية المنشورة في المنابر المختصة، والتي يتناول فيها مختلف القضايا التي تهم مجال القضاء المغربي، ويقدم الاقتراحات في اللقاءات والندوت التي كانت تعقد من أجل تحسين شؤونه، الشيء الذي جعله يتدرج في سلك القضاء، حتى أصبح وكيلا عاما للملك في كل من الناظور ومكناس، وأخيرا في الرباط التي استمر فيها إلى حين تقاعده.

ومن أبرز مقترحاته الرامية إلى إصلاح القضاء المغربي، تلك التي وجهها إلى وزير العدل، بتاريخ 16 أبريل 2009. التي تناول فيها المجالات التالية: الدستوري، التشريعي والتنظيمي، الموارد البشرية واللوجيستية، ولوج مهنة القضاء، تفتيش المحاكم، الإدارة القضائية، مصلحة كتابة الضبط، مساعدو القضاء والمهن المرتبطة به، التخليق والأمن القضائي، التحسيس والتوعية...

 وفيما يلي نصها الكامل

 

من الحسن العوفي، عضو المجلس الأعلى للقضاء

إلى سيادة وزير العدل (الديوان)

الموضوع: اقتراحات حول إصلاح القضاء

المرجع: صادركم عدد 202لادي بتاريخ 03ىأبريل 2009

 

تنفيذا للتعليمات السامية لعاهل البلاد، الرامية إلى الانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء.

وتبعا لصادركم أعلاه، الرامي إلى موافاتكم بمقترحاتنا ومنظورنا حول الإصلاح القضائي المنشود.

يشرفني أن أوافي سيادتكم بما يلي:

من منظورنا الخاص، يمكن حصر أهم المرتكزات الأساسية والخطوك العريضة لإصلاح القضاء فيم يلي:

  1. المجال الدستوري
  2. المجال التشريعي والتنظيمي
  3. مجال الموارد البشرية واللوجيستية
  4. مجال ولوج مهنة القضاء
  5. مجال تفتيش المحاكم
  6. مجال الإدارة القضائية
  7. مجال مصلحة كتابة الضبط
  8. مجال مساعدي القضاء
  9. في مجال التخليق والأمن القضائي
  10. مجال التحسيس والتوعيية

أولا: المجال الدستوري

نقترح تعديلات دستورية لتأصيل مبدأ القضاء على النحو التالي:

ثانيا: المجال التشريعي والتنظيمي

نقترح مراجعة النصوص التشريعية المتعلقة بالنظام الأساسي لرجال القضاء وفق ما يلي:

ثالثا: مجال الموارد البشرية واللوجيستية

رابعا: مجال ولوج مهنة القضاء

نقترح في هذا المجال مايلي:

خامسا: مجال تفتيش المحاكم

من أجل مساهمة التفتيش في إصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته، نقترح ما يلي:

سادسا: مجال الإدارة القضائية

من أجل إدارة قضائية جيدة، تساهم بقدر كبير في تأهيل العدالة وتعزيز استقلالها، نقترح ما يلي:

وفيما يخص المجلس الأعلى، اعتماد نظام دائرة فحص الطعون المعمول بها لدى القضاء الفرنسي لاستبعاد الطعون غير الجادة، والتي يظهر فيها عدم القبول واضحا، للتخفيف من القضايا المعروضة على أنظار المجلس، تفعيلا لمقتضيات الفصل 363 من م.ج.م.

سابعا: مجال جهاز كتابة الضبط

إن إصلاح القضاء رهين بإصلاح جهاز كتابة الضبط. وفي اعتقادنا، يجب الانكباب على وضع خطة محكمة وسريعة، تتجه نحو إصلاح معقلن لهذا الجهاز، ونقترح:

ثامنا: مجال مساعدي القضاء

إن الإصلاح الشمولي للقضاء رهين بإصلاح المهن والوظائف المرتبطة به، والمؤثرة فيه سلبا وإيجابا، ولهذه الغاية نقترح:

تاسعا: في مجال التخليق والأمن القضائي

إن النزاهة من المبادئ والقيم التي يجب أن يتحلى بها القاضي، فهي الضامنة لستقلاله واستقلال القضاء، وبدونهما لا يمكن الحديث عن أي إصلاح للقضاء. إن نزاهة القاضي هي التي تعمل على تحصينه من الخضوع للتأثيرات والتدخلات والإغراءات كيفما كان نوعها وحجمها، مما يجعل المتقاضين مطمئنين على حقوقهم، وهذا الاطمئنان مرده إلى الثقة التي يضعها الناس في القضاء، والتي تساهم بقدر كبير في تحقيق الأمن القضائي، واستتباب السلم الاجتماعي، كما تؤدي إلى الاستقرار والتحفيز على الاستثمار، وبالتالي الوصول بالبلد إلى مدارج الرقي والنمو الاقتصادي والاجتماعي.

 ولضمان ثقة المتقاضين في عدالتهم، نقترح ما يلي:

عاشرا: مجال التحسيس والتوعية

إن ورش إصلاح القضاء لا يهم فئة القضاة فقط، بل إنه ورش يهم الكافة.. وعلى الجميع المساهمة فيه بقدر كبير من الإرادة والعزيمة، وبالتالي فإن الإصلاح المأمول ليس إصلاحا فئويا.

إن الحاجة تدعو إلى قيام الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والفعاليات الحقوقية بتوعية وتحسيس المواطنين بدورهم الفعال في هذا الإطار، ويجب على القضاء أن يمارس دوره بانفتاحه على المجتمع، وذلك بتكليف أحد القضاة بمهمة التواصل مع وسائل الإعلام، يتم اختياره من طرف الجمعية العمومية.

نؤكد في الأخيرعلى أن للعدالة عدة روافد، وأن تأهيلها يقتضي بالضرورة تأهيل كل القطاعات ذات الصلة بها، من تعليم، وصحة، وشرطة، ودرك، وجمارك... ولا يمكن تصورنجاح هذا الإصلاح بدون تفاعل باقي القطاعات مع هذا الاختيار الذي لا محيد عنه، ولا مناص من التمسك به بكل جدية وحزم.

أسأل الله أن يهيئ لكم سبل النجاح والتوفيق والسداد في مهمتكم الجسيمة، لتعزيز وتحصين استقلال القضاء، وتحديثه وتأهيله للنهوض بدوره كدعامة لدولة الحق والقانون، وكدرع للأمن القضائي الضامن لسيادة القانون، وتكريس حقوق الإنسان، تحت القيادة الرشيدة للقاضي الأول، صاحب الجلالة والمهابة، الملك محمد السادس، نصره الله وأيده.

وتقبلوا، سيدي الوزير، فائق عبارات التقدير والاحترام.

الحسن العوفي ـ عضو المجلس الأعلى للقضاء

 

هذا، واحتفاء بالذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى، تم تنظيم سلسلة من الندوات الجهوية، منها الندوة السادسة المنعقدة بالرباط يومي 10 و 11 ماي 2007، لدراسة موضوع "المنازعات الانتخابية والجبائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى"، والتي شارك فيها الحسن العوفي بالمداخلة التالية:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

يسرني بالغ السرورأن أتقدم بأسمى عبارات الشكر والامتنان لحضوكم الكريم في إطار مواصلة سلسلة الندوات الجهوية، المقرر عقدها طيلة سنة 2007، احتفاء  بالذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى.

حضرات السادة والسيدات

وإنها لمناسبة غالية، تتشرف الدائرة القضائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، ونظيرتها بالقنيطرة، بتنظيم هذا اللقاء العلمي المبارك، على غرار باقي جهات المملكة. كما أن هذه المناسبة تشكل فرصة حقيقية لتجسيد أواصر التعاون بين كل العناصر الفاعلة في مجال القضاء، للوقوف على ما تحقق من إنجازات مشرفة علميا وعمليا.

مما لا يخفى على علمكم، إن المجلس الأعلى، كأعلى مؤسسة قضائية في المغرب، حرص منذ إنشائه وطيلة خمسين سنة مضت  على إغناء العمل القضائي، وتشجيع الإنتاج القانوني، مما أسهم بشكل محمود في تحسين وتأطير أداء المحاكم، ، وإذكاء روح الإبداع والاجتهاد القضائي، وذلك من خلال تفعيل دوره الضابط للسياسة  القضائية للمملكة، بشكل يتماشى والرغبة في ترسيخ  دولة القانون، واحترام مبدأ الشرعية، استنادا إلى الأرضية التي عبدها الملك الحسن الثاني ـ طيب الله ثراه ـ  في النطق الملكي الكريم يوم 8 ماي 1990، حين قال:

"لا يمكن لهذه البلاد أن تكون دولة قانون إلا إذا جعلنا لكل مغربي الوسيلة لكي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه"

حضرات السادة والسيدات

إن القضاء الإداري، باعتباره الإطار الجامع للقواعد القانونية الضابطة للعلاقة بين الإدارة والمواطن في مختلف النزاعات الطارئة بينهما، والمتعلقة بحق من الحقوق أو بحرية من الحريات؛ تعدى حدود القضاء التطبيقي، واستشرف  مجال نظيره الإنشائي، مما أسس لخصوصية من خلال تفعيل آليات خلق وتأصيل الحلول المناسبة، لضبط  العلاقة القانونية الناشئة بين المرفق العام والأفراد. وعملية الاستشراف هاته ما فتئت تستمد جوهر موضوعها من فلسفة الفكر الحسني الي يعتبر أن المغرب:

"لا يعيش منعزلا عن العالم، بل يعيش ويريد أن يعيش في جو يطبعه أولا التعامل مع العالم، وثانيا الانفتاح عن العالم، وثالثا إثراء العالم، ورابعا التعلم من العالم... وأنه إذا أراد أن ينفتح على العالم يجب كذلك أن يكون قضاؤه منفتحا، وفي مستوى قضاء العالم".

وكما هو معلوم، فإن الانفتاح على العالم، يستدعي ضبط آلية التأثير والنأثر به، من خلال استكمال البناء السياسي والمالي للدولة، وذلك بتقوية صرحها الديموقراطي، وتعبئة مواردها الجبائية.

وفي هذا الصدد، تشكل الانتخابات الآلية القانونية للتأطير الديموقراطي.. ووعيا بخصوصية هذه الآلية في ضبط المنظومة السياسية، حرص المشرع على إحاطة الممارسة الانتخابية بسياج من الضوابط القانونية، ضمانا لتشكيل مؤسسات تمثيلية تعكس الإرادة الحقيقية للناخب، وعمل القضاء على ضمان الحماية اللازمة للحفاظ على سلامة الانتخاب، وتكريس مبدأ حق المشاركة السياسية للمواطن؛ فاعتبر القضاء الإداري أن مجرد الخرق المادي للتشريع الانتخابي لا ينهض وحده كعامل حاسم في إلغاء العملية الانتخابية، بل عمل على البحث في مدى تأثير المخالفة القانونية على نتيجة الاقتراع، ولم يعمد إلى إلغاء الانتخاب إلا إذا كان هذا الخرق، على افتراض ثبوته، له تأثير كاف، إن لم يكن في إفساد العملية الانتخابية، فعلى الأقل في تغيير نتيجة الاقتراع، ما لم يتعلق الأمر بمسائل جوهرية، لها مساس بقواعد النظام العام.

وارتباطا بمبدأ الحماية القانونية لإرادة الناخب في تشكيل المؤسسة التمثيلية، عمل القضاء الإداري، كذلك، على ضمان الحماية القانونية للملزم بالضريبة، من خلال وضع أسس المنازعة الجبائية، التي ظهرت في الأنظمة الليبرالية بشكل مواز لتنامي تدخل الإدارة في ضبط وتنظيم المرافق العامة الالية والتجارية، وذلك عن طريق خلق تصور قضائي لتحقيق التوازن بين حماية المال العام وفرض احترام مبدأ الشرعية الضريبية، هذا التوازن الذي يجب أخذه بعين الاعتبار يعمل على تقوية الآليات القانونية خدمة لتحصيل الديون العمومية، وتحصين الوضعية القانونية للملزم.

ومما لا شك فيه، أن صلاحيات القضاء الانتخابي والجبائي، تندرج في إطار تفعيل الإرادة الملكية السامية الواردة في خطاب 3 مارس 1991، الذي أكد فيه الملك الحسن الثاني ـ طيب الله ثره ـ ما يلي:

"أصدرنا تعليماتنا لجعل الإجراءات التي تعمل على أساسها هذه المحاكم مبسطة، وغير مكلفة، حتى تمكن رعايانا من اللجوء إلى القضاء كلما كانوا عرضة للشطط من طرف السلطة الإدارية، أو لحقت بهم أضرار من من جراء الإدارة التي أقيمت لخدمتهم"

حضرات السادة والسيدات

لقد استوعبت محاور هذه الندوة منهجية القضاء الإداري فى محاكمة مشروعية المنازعات الانتختبية والجبائية، وهو ما يشكل نقلة نوعية تضاف إلى ما أثمرته من إنجازات خلال الندوات السابقة، والتي عملت على إبراز كفاءاتها القضائية من خلال المشاركة الإيجابية والبناءة للسادة المشاركين، قضاة ومحامين وأساتذة ومتخصصين..

             وأغتنم هذه الفرصة، للتوجه بالشكر الجزيل لكم جميعا على تفضلكم بتلبية الدعوة، كما أتوجه بالشكر لجميع المتدخلين الذين استجابوا للإسهام بعطائهم العلمي والعملي لتحقيق ما ينشده الجميع من نجاح لجهازنا القضائي، ورفعه إلى مستوى آمال القاضي الأول، جلالة الملك محمد السادس، أدام الله عزه ونصره.

            وفقنا الله جميعا لخدمة الصالح العام، وأعاننا على بلوغ المرام، وجعلنا عند حسن ظن مولانا الإمام.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ويجب أن أشير في الأخير، إلى أن إحالته على التقاعد لم يؤثر كثيرا على ديناميكيته المعروف بها، ولم يستطع أن يبعده عن الميدان الذي يعشقه، ذلك لأن حبه للمهنة، وشغفه بالعمل في قاعات المحاكم، وإحساسه بأن عطاءه لم ينضب بعد، جعله ينزع عنه بدلة الوكيل العام ذات اللون الأخضر، ويلبس بدلة المحامي ذات اللون الأسود، مستبدلا مكتبه في المحكمة بمكتب المحاماة.. هذا التحول الهام يحسب له، لأنه قد أصبح  بذلك أول محام يمتهن هذه المهنة في تاريخ عائلة آل العوفي.